- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الآية التالية متعلقة بسلامة الإنسان وسعادته :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والأربعين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والستين، وهي قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63) ﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية متعلقة بسلامة الإنسان وسعادته، فحينما يحادد الله ورسوله وكان ينبغي أن يوالي الله ورسوله، لأن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي خلقنا، وهو الذي يربينا، وهو الذي يمدنا، وهو الذي يسيّرنا، مرجعنا إليه، مآلنا إليه، بيده قوتنا وضعفنا، صحتنا وسقمنا، بيده كل شيء، فهل يُعقَل أن نتجه إلى غيره؟
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
بعد أن طمأنك أن كل أمرك،
لو أن طالباً لم يدرس فلم ينجح نقول له: ألا تعلم أنه من جدّ وجد؟ شيء بديهي جداً.
عندنا أشياء تُعرَف بالبديهة، التجارة تحتاج إلى رأسمال، هذا العمل يحتاج إلى صدق، هذا العمل يحتاج إلى إتقان، فالأشياء البديهية التي تُعرف بالفطرة.
تطابق الدين العظيم مع الفطرة :
بالمناسبة: هذا الدين العظيم متطابق مع الفطرة تطابقاً تاماً، والدليل:
﴿
أن تقيم وجهك لهذا الدين هو نفسه ينطبق على فطرتك، بمعنى ما من أمر أمرك الله به إلا وفطرتك ترتاح له، وما من نهي نهاك الله عنه إلا والفطرة تشمئز منه، هذه نعمة كبيرة أن الله إذا أمرك بأمر وأنت أطعته اصطلحت مع فطرتك، أحد أسباب راحة المؤمن أنه وجد نفسه، اصطلح مع فطرته، فطرته تدعوه إلى الصدق وهو يصدق فارتاحت نفسه.
فلذلك أكبر خطأ أو أكبر نتيجة سلبية لمن يعصي الله أنه اختلف مع فطرته، فأصبح عنده كآبة، حتى الإنسان لو لم يتلقَّ دروس علم إطلاقاً فطرته توافق الشريعة تماماً.
بتعبير آخر: الإنسان إذا أطاع الله وهو لا يعلم أنها طاعة لله يرتاح، بالعالم الغربي عندهم حالة راحة تأتي من الصدق، يرتاحون للصدق، لإتقان العمل، هناك أشياء عندهم لها قيمة، هناك أشياء تتطابق مع سعادتهم، فالإنسان إذا بحث عن سلامته وسعادته عليه أن يطيع ربه -عز وجل-.
الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله :
لذلك:
(( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. ))
أنت من دون أن تشعر حينما تنصح إنساناً، حينما تحسن إلى إنسان، حينما تصدق مع إنسان، الله يحبك لأنك رحمت عباده، و كنت صادقاً معهم.
لذلك إخوتنا الكرام، سعادتك بيدك، وشقاؤك بيدك، أنت تعيش بمجتمع، هذا المجتمع هم بشر، هم عباد الله أولاً، فإذا صدقتهم، وأحسنت إليهم، وكنت منصفاً لهم، أحبك خالقهم، أحبك ربهم، فأنت حينما تعاون إنساناً تتعامل مع خالق الإنسان.
الحركة لا تصح إلا إذا عُرف السبب :
طالب دخل العام الدراسي هناك حقيقة بديهية: أنه من اجتهد نجح، هذه حقيقة يكشفها بفطرته، فحينما لم يدرس، وعندما لم ينجح تعجب، نقول: لا، هذا التعجب غباء، من بديهيات الدراسة أن الدراسة تحتاج إلى جهد.
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(14) ﴾
بتعبير آخر، لماذا لا تعلم وكان ينبغي أن تعلم؟ هل هناك من علم يفوق أن تعرف سبب سلامتك وسعادتك؟ هل من علم يفوق أن تعلم ماذا بعد الموت؟ أين كنت قبل أن تولد؟ عندنا من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ هناك قضايا فلسفية خطيرة جداً، أنت حينما تعلم علم اليقين أنك مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض، حينما تعلم أنك مخلوق، تأتي الحركة موافقة لهذا الهدف.
طالب ذهب إلى باريس فسأل إلى أين أذهب؟ أقول له: عجباً لهذا السؤال! لماذا جئت إلى هنا؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى السوربون، إن جئت سائحاً إلى برج إيفل، إن جئت تاجراً اذهب إلى الأسواق والشركات، فالحركة لا تصح إلا إذا عرفت السبب، ألم تعلم؟ وسائل العلم قُدِّمت لك، والواجب أن تعلمها، والذي وقع أنك لم تعلم، فهذا خطأ كبير يتحمل الإنسان نتائجه الخطيرة.
الحد في الإسلام :
إخواننا الكرام،
لذلك:
المعية في الإسلام لها معنيان؛ معية خاصة ومعية عامة :
لذلك أيها الإخوة، المعية في الإسلام لها معنيان، معية خاصة، ومعية عامة، فإذا قال الله -عز وجل-:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ
(( استحيوا من الله حق الحياء ))
أحد أنواع الحياء أن تستحي أن تعصيه.
من يقرأ القرآن ينبغي أن يقرأه قراءة متأنية :
طبعاً:
﴿
أنت لم تستقم، أمرك بالعدل والإحسان، وممكن للإنسان إذا قرأ القرآن أن يستنبط الأوامر الإلهية، هذا كتاب خالق الأكوان، كتاب الإنسان، كتاب سعادة الإنسان، فأنت حينما تقرأ القرآن ينبغي أن تقرأه قراءة متأنية.
أخ حدثني كلما قرأ أمراً يضع تحته خطاً، عمل مصحفاً لوحده، لقراءته الخاصة، خط بالأخضر، وكلما قرأ نهياً وضع خطاً بالأحمر، فإذا فتح المصحف هذه الأوامر، وهذه النواهي، أحياناً هناك قصص فيها موعظة كبيرة جداً، الله -عز وجل- ما أرادنا أن نقرأ القرآن قراءة سريعة، أرادنا أن نتدبره، والتدبر شيء دقيق جداً.
آيات الله في الكون :
الله له آيات ثلاثة، آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، الآيات الكونية خلقه:
﴿
والآيات التكوينية أفعاله، والآيات القرآنية كلامه، أنت بين آيات كونية، وتكوينية، وقرآنية، وهذه الآيات طرق سالكة إليه، تعرفه من آياته الكونية، والتكوينية، والقرآنية، فهذا الكون لماذا نصبه الله -عز وجل-؟ من أجل أن تعرفه، الله -عز وجل-:
﴿
لكن جعل لك هذا الكون ليكون هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، الآن الله -عز وجل- له أفعال، أحياناً يأتي زلزال لأمة باغية طاغية، هناك وضوح تام، أحياناً هناك أشياء واضحة تماماً، أحياناً تكون غير واضحة لحكمة بالغة، فأنت حينما تتأمل بكلامه تدبراً، وتنظر إلى أفعاله تبصراً، وتفكر في آياته الكونية معرفة، فقد حققت الهدف من هذا الكون، هناك آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، هذه الآيات طريقك إليه وإلى معرفته.
أحد أسباب سعادة المؤمن أن معه توجيهات من عند الخالق :
فهنا لعلك تعلم أن الذي يحادد الله ورسوله ما مصيره من خلال الأحداث؟ وما مصيره من خلال القرآن؟ بالقرآن ذكر لك مصيره.
لذلك لماذا كان الصحابة إذا قرؤوا آية وقد تحقق الوعد والوعيد هذا التحقق يسعد الإنسان،
﴿
قال بعض العلماء: تأويل القرآن أن ترى الوعد والوعيد محققاً، أنت مثلاً ترى إنساناً يغش الناس في البيع والشراء، يأكل مالاً حراماً، ويزداد غنى، تتابع أمره فإذا بضربة قاصمة من الله، هذه الضربة تزيد في إيمانك، أنا أقول: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، هذا يقين، فالمؤمن أحد أسباب سعادته أن معه توجيهات من عند الخالق، ما من داعٍ لأن يدفع الثمن هو، أما غير المؤمن فيأكل مالاً حراماً، فيتدمر ماله كله، يشقى بدماره، عليه ديون، تُذَل نفسه، يكتشف بعد فوات الأوان أن ماله حرام، المؤمن له وضع آخر، وضع سليم، قرأ كلام خالق الأكوان، وفيه نهي عن أكل المال الحرام فتركه، ما من داع أن يتدمر حتى يتعظ، لذلك دائماً المؤمن الموفق يتعظ بغيره، بينما الشقي يتعظ بنفسه، وأحياناً تكون الموعظة بعد فوات الأوان.
مثلاً: إنسان رأى شيئاً يشبه قنبلة، قنبلة، ليست قنبلة؟ صح؟ غلط؟ أراد أن يمتحنها فانفجرت و أزهقت روحه، فلم ينتفع بهذا الدرس، هناك معاصٍ تدمرك نهائياً، لا يبقى بحياتك وقت تستمتع بهذه التجربة، وهناك معاص لها عقاب محدود، يأتي العقاب تخاف فلا تعيد هذا الشيء الذي فعلته، هذا ممكن، لكن هناك معاص كبيرة جداً، مُهلِكة، فتنتهي سعادتك في الدنيا.
من لبَّ حاجات عقله و جسمه و قلبه فقد تفوق :
إذاً الآية التي أتمنى أن تكون واضحةً هي: ألم يعلم؟ ينبغي أن تعلم، أنت عندك حاجة عليا، و حاجات دنيا يمكن أن نسميها كذلك، أنت بحاجة للطعام والشراب حاجة دنيا، بحاجة إلى زوجة حاجة دنيا، لكن هناك حاجة عليا أن تعرف الحقيقة، برأسك عقل، والعقل غذاؤه العلم، فأنت حينما تلبي الحاجة العليا، مثلاً: أنت حينما تأتي إلى مسجد كي تستمع إلى درس علم أنت بهذا المجيء تلبي الحاجة العليا بالإنسان، وأنت إنسان لأنك عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، إن لبّيت حاجة عقلك وقلبك وجسمك معاً تفوقت، أما إذا اكتفيت بواحدة منهما فتطرفت.
فلذلك المؤمن يلبي حاجة عقله له مجلس علم، يتابع العلم، من أنا؟ أين كنت قبل أن آتي إلى الدنيا؟ ماذا بعد الموت؟ ما أسباب دخول الجنة؟ ما أسباب دخول النار؟ ما الحلال والحرام؟ تاجر، أحكام البيوع مهمة جداً، عندنا محام، طبيب، هذا يحتاج لأحكام خاصة بهاتين المهنتين يسمونها جُعَالة، الجُعَالة غير الإنجاز، هناك فرق بينهما، على كلٍّ ألم يعلم، ينبغي أن تعلم.
على الإنسان أن يكون ضمن الحق فإن كان هناك حدّ بينه و بين الحق فهناك مشكلة :
شيء آخر:
(( إن تَمسَّكْتُمْ به لن تَضِلُّوا بعدي ))
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :
(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))
دائماً وأبداً الإنسان يعيش واقعه وماضيه، يقول لك: كنت محامياً، كنت تاجراً بعد ذلك تركت التجارة، كنت موظفاً ثم تقاعدت، يتكلم عن ماضيه وعن واقعه، قلّما تجد إنساناً يفكر في مستقبله، بما سيكون، وأخطر شيء بالمستقبل مغادرة الدنيا، نحن الموت نؤمن به لكن لا نعرف حجمه، حجمه من بيت إلى قبر، هناك بيت أربعمئة متر، بيت ثمنه يقدر بمئة وخمسين مليوناً بعده قبر، من صالونات، غرف ضيوف، غرف طعام، غرف جلوس، أجهزة كهربائية، إطلالة جميلة، إلى قبر، ماذا في القبر؟ فالبطولة أن تفكر فيما سيكون لا فيما هو كائن.
أقول لك هذه الكلمة: أدق ما في حياة المؤمن أنه يعيش المستقبل، مرة سألوا طالباً أخذ الدرجة الأولى على القطر بالشهادة الثانوية، فأجروا معه لقاء صحفياً، أنا قرأت هذا اللقاء أعجبتني إجابته، قيل له: ما سبب هذا التفوق؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي ولا ثانية.
والمؤمن الصادق ساعة وفاته مغادرته للدنيا ماثلة بين عينيه، هذا العمل يرضي الله -عز وجل-، لو أن الله سألني لماذا فعلت هذا؟ لماذا قطعت هذه العلاقة؟ لماذا وصلت هذا الإنسان؟ إنسان منحرف، لماذا وصلته؟ لماذا أخذت هذا المال؟ لماذا اخترت هذه الحرفة؟ لماذا التقيت بهذا اللقاء؟ هل معك جواب؟ البطولة أن تهيئ جواباً لله -عز وجل- عن كل شيء تفعله.
الله عز وجل مع المؤمنين بالحفظ و الرعاية و التوفيق :
الذي ينبغي أن يقول إن معية الله -عز وجل- معية علم، لكن إذا قال الله -عز وجل-:
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ
قال علماء التفسير: هذه معية خاصة، المعية الخاصة رائعة جداً، أي معهم يوفقهم، ومعهم يحفظهم، ومعهم ينصرهم، ومعهم يرشدهم، ومعهم بالتوفيق، والحفظ، والرعاية، والإكرام، إذا كان الله معك فمن عليك؟
كن مع الله ترَ الله مـعك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطـاك من يمعنـه ثم من يعطي إذا ما منعك؟
على المؤمن ألا يجعل بينه وبين الحق شيئاً :
أيها الإخوة، يحادد أي يعادي، عمل حدّاً، أنت هنا وأنا هنا، وسوف نختصم، معنى يحادد أي يشاقق، أي أنت في شِق وأنا في شِق، معنى يحادد أي يحارب، أنت دائماً الدين بمكان وأنت بمكان، أنت بمكان والحق بمكان، أنت بمكان والفضيلة بمكان، أنت بمكان والصواب بمكان، أم أنت مع الصواب، ومع الحق، ومع الفضيلة، ومع الدين، هذا معنى:
﴿
جعل حداً بين شقين، شق الحق، وشق الباطل، هو مع الباطل، والصواب المؤمن لا يجعل بينه وبين الحق شيئاً، هو مع الحق، وفي الحق، وهناك إنسان يستخدم سلاحه ليجبر الناس على الباطل، هذا أصعب، عندنا ضال، وعندنا ضال مضل، وعندنا فاسد، وعندنا فاسد ومفسد.
للكافر شقاء في الدنيا و جهنم في الآخرة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46) ﴾
قال بعض علماء التفسير: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، بل قال بعضهم: بل يقاس على ذلك أن هناك جهنم في الآخرة وجهنم في الدنيا، لأنه:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) ﴾
علامة المؤمن أنه قوي الشخصية متفائل سعيد:
الحقيقة السعادة النفسية- أنا أقول كلمة- أنت عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، إذا غذيت عقلك بالعلم، وقلبك بالحب تفوقت، كنت أسعد الناس، فأنت حينما تكتشف حقيقة الإيمان، والله أنا أقول هذه الكلمة وأرجو أن تكون دقيقة: إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ففي إيمانك مشكلة، يجب أن تقول -كلام علمي ودقيق-، ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، فأنت عندما تكون مؤمناً أي أنت سعيد، أنت متوازن، قوي الشخصية، متفائل، موفق، لك عمل صالح ترقى به عند الله، لك صلة بالله، تشعر أنت بالتعبير الدارج غال على الله، هذه علامة المؤمن، أما أنت واحد من الخلق لا شأن لك عند الله، هذه مشكلة كبيرة،
الخسارة الحقيقية هي خسارة الآخرة :
لماذا لا تكن ولياً لله ورسوله؟ الفرق كبير جداً، هو موقف، أن توالي الحق، أنت مع الحق، مع المؤمنين، مع الصدق، مع العدل، مع الإنصاف، مع الإحسان، الحق طبعاً كلمة ولها تفاصيل، أنت مع القرآن، إذا هناك آية قرآنية:
﴿
مستحيل،
إخواننا الكرام، أي أخ كريم عنده إلمام بالرياضيات يعرف أن أكبر رقم في الكون إذا نُسب للانهاية فهو صفر، والآخرة لا نهاية، الدنيا لو عشت مليون سنة، لو كنت أغنى أغنياء الأرض، لو عندك مليون امرأة، أغنى أغنياء الأرض إذا نُسِبت قدرته على المال إلى الآخرة فهي صفر، لذلك:
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ
هذه الخسارة الحقيقية خسرت الآخرة، لذلك النجاح مسعد، والخسارة مؤلمة، وفي بعض الآثار النبوية:
من قابل نعم الله بالجحود و الكفر فهو أشقى الناس :
إذاً:
فإذا شخص حادد الله ورسوله
البشر على اختلاف مللهم ونحلهم صنفان لا ثالث لهما :
والله لا أبالغ قال تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
ماذا فعل؟ أيقن أنه مخلوق للجنة، بعد هذا اليقين اتقى أن يعصي الله، وبعد هذه التقوى بنى حياته على العطاء، صدق بالحسنى، اتقى أن يعصيه، بنى حياته على العطاء، الآن الله -عز وجل- الرد الإلهي: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ زواجه ميسر، صحته ميسرة، دخله ميسر، سعادته ميسرة.
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾
أولاً ما عرف الله، غفل عنه، الدليل: تفلت من منهجه، وبنى حياته على الأخذ لا على العطاء، هذه صفات جامعة مانعة، البشر على اختلاف مللهم، ونِحَلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، هم صنفان لا ثالث لهما،
سأل إنسان عالماً كبيراً: ما بال الأقوياء والملوك؟ قال: ضيق القلب، معيشة الضنك لا تكون أحياناً بقلة المال، المال وفير، تكون أحياناً بالشعور بالضياع، والإنسان يسعد بقلبه، قد تجد مؤمناً متواضعاً جداً، دخله محدود، وبيته متواضع، أسعد الناس بالبلدة كلها، قد تجد إنساناً بأرقى مكان، بأعلى مرتبة، وهو شقي، فالشقاء لا يأتي من منصب، ولا يأتي من ثروة، يأتي من أن تكون مع الله، كن مع الله ترَ الله معك.
أعظم نعمة للمؤمن أن الله طمأنه على مستقبله :
﴿
ما قال علينا، قال: لنا.
أتمنى على الإخوة الكرام المؤمنين إذا الله -عز وجل- طمأنك أن تقبل هذا الاطمئنان، تقول:
من تعرف إلى الله استقام على أمره و انصاع له :
أنا أقول هناك شاهد آخر طبعاً:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
العظيم قال لك: هذا الفضل عظيم، لذلك بحسب الآية أعظم شيء أن تعرف الله، إنك إن عرفته عرفت كل شيء، إن عرفته كان بيدك سبل سعادتك وشقائك، كان بيدك المستقبل الرائع في الجنة، فلذلك الخير كله في طاعة الله، الخير والتوفيق، الرحمة من طاعة الله، الذي أتمنى أن يكون واضحاً جداً أن هناك حالتين شقاء وسعادة، الشقاء بمعصية الله، والسعادة بطاعته:
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.